![](screens/news/b148b6ca-e21d-40a9-a21c-fb2def60fb27_835uaqff_5u4c17kt_u1un1wv0_pbnliutp_13p2n03t_xhg53og8_tigidx3s.jpg)
وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في الثاني من سبتمبر 1945 وقد تغير المشهد الدولي تماماً، سلمت فرنسا وبريطانيا عباءتا الدولتين العظمتين إلى أمريكا والاتحاد السوفيتي ليبدئا، بدورهما، حقبة من الصراع الصامت فيما بينهما عُرفت بالحرب الباردة. شُطرت ألمانيا إلى قسمين شرقي وغربي وقُسمت كوريا إلى شمال وجنوب. حل الدمار بأوروبا. مُحيت مدن بأكملها. ملايين القتلى والمفقودين والجرحى بخلاف مئات الآلاف من المعاقين. بعد ذلك، بنحو عشر سنوات، انحسر الاستعمار الفرنسي والإنجليزي، شيئاً فشيئاً، عن مستعمراتهما الممتدة في كافة الاتجاهات.
خلال الحرب ورغم الخسائر الفادحة، لم يبد طرف من الأطراف المتصارعة الرغبة في وقف الدمار. تحت راية تفوق العِرق الآري عما دونه من أصول، بدأ هتلر الحرب ظناً منه أنه يطهر البشرية فتبعه آخرون، دفعوا بدولهم في آتون الحروب دونما اعتبار لملايين اليتامى والأرامل والمشوهين. تحركت كرة النار تأكل كل ما يقابلها. ضربت اليابان الاسطول الأمريكي في ميناء بيرل هاربور بجزر هاواي، فأعلنت أمريكا الحرب عليها وعلى ألمانيا. استغل العسكريين العقيدة اليابانية التي ترفع الإمبراطور، هيروهيتو، إلى مستوى مقدس في ازكاء روح القتال عند جنودهم وحثهم على الدخول في حروب مستمرة والاستعداد للتضحية بالنفس، الكاميكازي، سوت القنبلتين النوويتين مدينتي هيروشيما وناجازاكي بالأرض فاضطر الإمبراطور لإعلان الاستسلام حقناً للدماء وللمحافظة على بقايا شعبه.
بانتهاء الحرب، راحت الدول تلعق جراحها في صمت. تُعيد البناء. من السهل إعادة تشييد البني التحتية، طرق، كباري، شبكات مياه، خطوط اتصالات. من الصعب إعادة بناء الإنسان. شحذ همته من جديد. أن ينسى كوابيس الحرب. ان ينام مطمئناً وأنه لن يغادر سريره فجأة إلى مخبأ تحت الأرض ريثما تنتهي الغارة الجوية. أن ما سيعيد بناؤه لن تدمره نزوات حكام أعماهم حب الذات. تحدي بناء الإنسان هو دائماً التحدي الأكبر على مدار التاريخ.
القدرة على معاودة الوقوف مرة أخرى بعد الانكسار هو ما مميز الدول عن بعضها البعض. قامت اليابان، وألمانيا، وفرنسا، وانجلترا، وغيرهم من الدول. تناسوا ماض حاربوا فيه بعضهم البعض. توحدت ألمانيا ثانية. وعلى خلاف فكر هتلر تأسس الاتحاد الأوربي بالوحدة الاقتصادية وليس العسكرية المبنية على سامية العرق الآري.
انكفأت اليابان على ذاتها. أيقنت ان خسارتها للحرب سببها التقدم العلمي في أمريكا وليس القدرة على تطوير أداء طياريها الانتحاريين. كَسَر العلم تابوه الساموراي الرافض للاستسلام. هُزمت اليابان في فصول المدرسة قبل هزيمتها في ساحة الحرب. على الجانب الاقتصادي، قدم بنك اليابان غطاءً ماليًا للبنوك المحلية خصصتها بدورها لمساندة التحالفات الوطنية في مجالات الصناعة والتكنولوجيا.
على الجانب الآخر، استفادت ألمانيا من التقدم الصناعي المذهل للعتاد العسكري ابان الحرب العالمية في تطوير قطاع الصناعة والتكنولوجيا والاتجاه للتصدير بشكل واسع. واعطت انجلترا المنتصرة، صوتها في يوليو 1945 إلى كليمنت آتلي، رئيس حزب العمال، ومنافس قائدها المنتصر، ونستون تشرشل، في إشارة إلى ضرورة التحول للبناء والتطوير والخروج من نفق اقتصاد الحرب. عجزت براعة تشرشل أثناء الحرب على منحه عباءة السلطة في مرحلة البناء.
بعد التقاعد، لم ينس رئيس الوزراء بداياته كصحفي ومراسل حربي فعاد للكتابة التاريخية، لم يفارقه جَلَده وعزيمته وروح المحارب في داخله فأصدر ستة مجلدات عن الحرب العالمية الثانية استحق بها جائزة نوبل للآداب عام 1953.
من الطبيعي أن تقع. من غير الطبيعي ألا تعاود النهوض وتنطلق. ما ينطبق على الأفراد يسري على الدول.